سُلْطة الاسم

الاسم ليس مجرد وسم لصاحبة، ومؤدٍ إليه فحسب، بل إنه يحمل معه مجموعة من الإشارات المجردة التي تحمل عددا من المعاني لتؤثر بصورة لا واعية في ذهن المتلقي؛ لتكون بمثابة مثيرات شرطية تتفاعل مع المستمع؛ لتنتج مجموعة مشاعر ومن ثم تنعكس تلك المشاعر على السلوك تجاه هذا المسمى. وهكذا يكون للتسمية وظيفتان: الوظيفة الأولى الوظيفة المرجعية للمسمى، والأخرى: الوظيفة الشرطية التي تحملها تجاه ذلك المسمى بصورة غير مباشرة، مصحوبة بعدد من المشاعر المرافقة التي ترتبط بالتسمية ارتباط وجود، ويظل حاملا لتلك الوظيفة بحيث تبدو بوصفها السلطة الكبرى الغير مرئية متجاوزة الوظيفة المرجعية.

اعتقد الإنسان منذ القدم –وهو واقع تحت تأثير هذه السلطة غير المرئية- أن الاسم يؤثر كثيرا في شخصية المسمى أو في شخصية حامله؛ لذلك كان اختيار اسم المولود يتم بعد تدارس طويل، بل ويتم الاستعانة بالكهنة والمنجمين، بحثا عن اسم جيد يساعد على تشكيل المولود؛ ليكون شخصية نافعة ومرموقة في المستقبل. بل إن الطفل إذا مرض أو كان كثير البكاء، يسعون إلى تغيير اسمه فلعلَّ هذا التغيير يتكفل بتهدئة شخصية الطفل أو أن يكون نافعا في براءته من مرضه. فسلطة التسمية هنا تحولت من تجليها المباشر إلى حالة مادية مجسدة، يعتقد في أثرها المباشر في تشكيل شخصية الطفل وإلى الأبد. وقد دأبت العرب في الماضي أملا في الخروج من السلطة السلبية للاسم من خلال تسمية الشيء بعكسه، فلربما كان الاعتقاد أنَّ هذا التفاؤل في صناعة تسمية مخالفة أو مناقضة لأصل المسمى قد يجلب العكس، ويعود للمسمى بالخير، فسموا الأعمى بصيرا، والصحراء مفازة، واللديغ سليما، والمسحور، مطبوبا.

ويستفيد صانعوا الاعلام وشركات الإعلان وخبراء الترويج، من هذه السلطة غير المرئية، فقبل البدء في إنزال السلع يتم دراسة أسماءها بدقة قبل عرضها على المستهلك، حيث يكون للاسم هنا دور محوري وسلطة مباشرة قد يكون تأثيرها متجاوزا نسبة الجودة في بعض الأحيان. ويمكن للاسم أن يكون جزءا من نجاح المنتج أو جزء من الفشل. على أنه يجب ملاحظة أن الكثير من المنتجات التجارية الموجودة في الأسواق قد احتفظت باسم أول منتج نزل مع تعدد التسميات، وظل الاسم القديم هو المسيطر على أصل المنتج نفسه برغم الهويات المتعددة. لقد كان للتسمية الأولى سلطة ثابتة تجاوزت تعدد التسميات وتتابعها.

وكنماذج نعيشها الآن في الواقع نجد أن كثيرا من تسميات مرافق الخدمات كالمطاعم والفنادق وغيرها تأخذ اسم مناطق جغرافية معينة، ثم نجد أن أغلب روادها هم من أبناء تلك المناطق، على الرغم من أن الملك ليس له أي علاقة بها كما أن الخدمات أيضا قد لا يكون لها أي علاقة بتلك المنطقة. إنها دفئ التسمية وسلطتها، فهي السر الخفي الذي عمل على اجتذاب هؤلاء الناس؛ ليكونوا رواد هذا المكان طمعا في دفئ التسمية وانقيادا لسلطتها. إن هذه التسميات تستهوي أبناء البلد الواقعين في الغربة فتعمل على نوع من الجذب الخفي الذي يستدرجهم من حيث لا يعلمون ليأتوا في الحقيقة لاستهلاك الاسم قبل غيره من السلع المقدمة في هذا المكان.

باعتقادي أن الاسم لا يعكس مسماه فحسب بل إنه يحمل إلى جواره أيضا عددا من المشاعر المكتسبة تجاه المسمى، وبالتالي بالإضافة إلى السلطة الأصلية التي كان يحملها منذ تشكله فإنه إلى جانب المشاعر المتشكلة لاحقا تجاه حامله تصبح سلطة أخرى، هذه المشاعر التي تتحدد بناء على شكل العلاقة التي تربط بين الاسم وصاحبه والآخر، علاقة حب ارتياح كره توجس عداء ازدراء .. إلخ، كل هذه المشاعر قد تكون مرتبطة بالاسم، وكلما مر على الذهن بصورة غير مباشرة فإنه سيصنع سلطة تتحكم بالسلوك تجاه صاحبه أو بعد ذلك تجاه كل من يحمله.

الخطر الكبير هنا أنه يجب علينا أن نفكر جيدا في تفكيك هذا الترابط الشرطي، لا سيما حين يتعلق الأمر بكوننا مستهدفين بواسطة هذه السلطة، وأخطر ما في الأمر حين تتخذ التسمية أبعادا دينية يحرم عليك مناقشتها وتصبح هنا السلطة مضاعفة، فبجانب جماليتها فإنها تحمل سلطة دينية. عليك أن تتردد كثير في تقبل تلك التسميات المغرية وأن تنتبه إلى السيطرة غير المرئية لتلك السلطة. الحوثيون وضعوا لأنفسهم تسمية أنصار الله، والقاعدة في اليمن وضعت لنفسها اسما محببا إلى الكثير من المتدينين (أنصار الشريعة)، في الحقيقة تبدو تسميات مغرية ولكنها تسميات خبيثة جدا، فبالإضافة لمحاولة وضع شرعنة خاصة لإرهاب تلك الجماعتين، فإنها تحاول من خلال هذه السلطة التضليل على حامليها، للأسف الكثير من الإعلاميين والمثقفين والكتاب يتعاملون باستخفاف ويلوكون هذه التسمية مؤدين أهداف غيرهم دون علم بخطورة هذا الترويج للسلطة الخفية التي لا يعلمون أثرها على البسطاء. إذ ليس حري بأنصار الله ولا بأنصار شريعته أن يكونوا ظالمين، هذا ما تقوله هذه السلطة المغلفة بهذه التسمية البراقة، هذا ما يجب أن لا يمر، ويجب أن لا نتواطأ جميعا في إنجاح سلطة غيرنا بألسنتنا. وليظل الحوثيون حوثيين والقاعدة قاعدة، بتسميتهم السلبية التي تحمل الإرهاب والموت والدمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *