يخطئ من يظن أن القوة تتمثل فقط في العنفوان والتسلط والجبروت، وما يرتبط بها من نوازع الغضب والعدائية وانعدام البشاشة ، فهذه تمثل أدنى حالات الإنسان ضعفا، لأنها تجعله قريبا من طبيعته كحيوان ينساق لرد الفعل فقط لا أن يكون الفاعل بإرادته وقوته الداخلية التي تجعله متحكما بذاته وردود أفعاله وتصرفاته، من هنا فإن القوة الحقيقية تتمثل في الوقوف أمام ضعف الذات من داخلها والتصالح معها وحينها تكون الابتسامة علامة واضحة تقدم رسالة للخارج عن هذا الإنسان عن مدى تصالحه مع نفسه أولا ومن ثم مع العالم.
الابتسامة في وجه الإنسان بوابه مباشرة إلى داخله، من هنا تحث كل الديانات والفلسفات على أن نبتسم، فالبسمة رسالة سلام موصولة بين الذات ومحيطها، ولا تقتصر على كونها علامة أو إشارة بل تصير إحيانا مقابل الأشياء المادية فهي صدقة كما جاء في الحديث وهذا يعني أنها تعمل على ثلاثة مسارات، الأول أنها تعمل صنع الراحة والطمأنينة لمن تعطيه (تتصدق عليه)، والثاني أنها تشعر المتصدق بالراحة النفسية الناتجة عن فعل الخير، والثالث أنها تكسبه الأجر والثواب. كما أن الابتسامة شرط أساسي من شروط السلام، وهل يمكن أن يكون السلام والوجوه مرسومة بالعبوس؟ أي سلام سيكون إذا لم تكن هذه الابتسامة هي التي تؤثث وجوه من يفشون السلام بينهم؟ فلا سلام بدون بسمة.
ولإدراك العاملين في حقل الدعاية والإعلانات والترويج للسلع والمنتجات فإن الشركات لا سيما التي تعتمد تقنية الابتسامة لاجتذاب زبائنها نحو خدماتها، تقيم الدورات المتخصصة للموظفين المروجين والعاملين في تلك الشركات بصورة مباشرة مع الجمهور وتدربهم على كيفية رسم الابتسامة والتعامل مع الناس، وربما تكون لحظة عبوس واحدة في وجه عميل كفيلة بأن تجعل هذا الموظف يفقد وظيفته، إنهم يدركون أن هذه الابتسامة ليست مجرد أداء جانبي وليست مجرد شكلا جماليا فحسب بل إنها رسالة تبقي خيط التواصل بين العميل وطالب الخدمة، وهنا تكون الابتسامة الشرط الأساسي للتعاقد بين الطرفين ولكن دون أن تكون مكتوبة في العقود.
للابتسامة قواعد أساسية منطلقة من الرضا الداخلي عن النفس وإذا فقدت هذه القاعدة فإنها ستكون ابتسامة فاقدة لروحها ومن ثم فاقدة لمعناها، من هنا تتصف الكثير من الابتسامات بأنها ابتسامة صفراء أو سوداء أو ابتسامة خبيثة أو مراوغة، أن يتبسم وجهك لابد أن تبتسم من داخلك وهذا معناه أن تكون قويا في مواجهة نوازع الشر والأحقاد والانتقام والغضب التي تغتلي في داخل الإنسان مهما كان سببها وأن تتحول كل تلك الطاقات السلبية الهدامة إلى عناصر فاعلة في الخير والتسامح والسلام.
باعتقادي أن البسمة هي جزءمن كينونة الإنسان إضافة إلى عقله، وقدرته على صنع اللغة فالإنسان هو الكائن العاقل الناطق المبتسم، وحين يفقد واحدة من هذه الثلاث الصفات فإنه يفقد واحدة من أهم مكونات إنسانيته.