يعد التعليم أساس بناء المجتمعات وتطورها، وهو حجر الزاوي التي تبنى عليها بقية مداميك التنمية والرقي في المجتمع، ولأنه بهذه الدرجة من الأهمية في مختلف مجالات الحياة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وثقافيا، فإنه يتشكل في هيئة نظام يسمى النظام التعليمي، الذي يبنى وفق فلسفة معينة تحدد الخطوط الرئيسة التي ينطلق منها هذا النظام، كما أن له مدخلات ومخرجات وعمليات ومناهج وإدارة، وقوانين، ومؤسسات مختلفة، يعمل هذا النظام على إدارة كل هذا التركيب المعقد ليصل في الأخير إلى تحقيق غاياته وأهدافه التعليمية. بيد أن التعليم في الوطن العربي يفتقد عمليا إلى هذه الأنظمة التعليمية وإن وجدت فهي تنافس الأنظمة السياسية في فشلها، فما هو موجود هوتعليم بلانظام لينتج أنظمة بلا تعليم.
تعمل الدول التي تراعي تحديث نفسها على الاهتمام بالجانب التعليمي عبر الاهتمام بالنظام التعليمي بصورة شاملة، وتحديث تلك الأنظمة بما يتلاءم مع الواقع وتغيراته؛ ليكون هذا النظام مواكبا للمتغيرات وقادرا على التعامل معها، والإسهام مع البشرية في النهضة والتطوير والتحديث وحل المشكلات، في حين نجد أن الاهتمام بالتعليم في الوطن العربي هو اهتمام جزئي، حتى في تلك الدول التي تحاول أن تطور سياساتها التعليمية فإنها تعمل على إصلاحات جزئية، ومن ثم يكون هذا الإصلاح للتعليم مثلا وليس للنظام التعليمي، وهنا يكون هذا الإصلاح غير فاعل ولا يؤدي النتيجة الإيجابية المطلوبة.
يصيب التدهور بشكل مخيف بنية التعليم في العالم العربي وفي الوقت نفسه نرى محاولات فاشلة لإدخال مايسمى التحديث في العملية التعليمية عبر تدبيج هذه العملية بالأدوات الحديثة واستعمال الحاسوب والاعتناء باللغة الإنجليزية، وكأن هذه هو صلب الموضوع في العملية التعليمية،وكان الأجدر هو دراسة النظام التعليمي ككل وتطويره بصورة كاملة ليتواكب مع العصر والدخول للعملية بمنظومة متكاملة من الإجراءات العملية لكي يكون الإصلاح عاما وشاملا.
هناك مؤشرات كثيرة على تدهور التعليم وأنظمته وتتباين من دولة عربية إلى أخرى، ولكن هناك مؤشرات عامة تشترك فيها العديد من الدول العربية، من ذلك على سبيل المثال رداءة التعليم العام مقابل تحسن نسبي في التعليم الخاص، حيث يكون التعليم العام أو ما يسمى بالحكومي متسما بالإهمال والتسيب وضعف الأداء وعدم الاهتمام بالأنشطة وغير ذلك من السمات السلبية، فيتحول التعليم إلى سلعة بيد القطاع الخاص الذي يحاول الاستثمار في هذا الجانب مع اهتمام مقبول في الجانب التعليمي، وليست المشكلة في وجود تعليم أهلي بنوعية أجود ولكن المشكلة في وجود تعليم حكومي بنوعية سيئة للغاية تنبئ بفشل نظام الدولة التعليمي. والمؤشر الآخر الضعف الكبير في نوعية مخرجات التعليم حيث يتدفق الخريجون إلى الجامعات بنتائج وهمية لا تقدم مطلقا التقييم الحقيقي للطلاب.
تعمل الدول المتقدمة على تخصيص نسبة كبيرة من ميزانيتها للتعليم، وهو يصب في الدرجة الأولى لصالح التعليم العام أو ما يسمى الحكومي، لأن الاهتمام بالتعليم هو في الأصل اهتمام بالبنية الأساسية للمجتمع، في حين تخصص النسبة الكبيرة من الميزانيات في العالم العربي للتسلح والأمن والجيش والإعلام الرسمي الذي يعمل على الترويج للأنظمة السياسية ويدافع عنها.
إذا أرادت الدول العربية أن تحمي مستقبلها فعليها أن تستوعب تحديث أنظمتها التعليمية قبل الاهتام بأنظمتها السياسية، فالأول سيكون من خصائصه الثبوت ومشاركة العالم فرصة بناء حضارة البشرية في حين أن من خصائص الثاني التحول القائم على الرغبة في الثبات في هذه الأنظمة وهو مايؤدي إلى تهيئة مشكلات للمستقبل.