تمتلك الشخصيات التي يجسدها الفنان الكبير عادل إمام في المسلسلات والأفلام والمسرحيات، أنساقاً فنية وثقافية تميزها عن غيرها من الأنساق أو الأدوار وتعطيها طابع الخصوصية، ليس فقط من خلال الأداء الفني فحسب، بل من خلال مستوى القيم التي تعمل تلك الشخصية على الحركة منها وإليها؛ وهو ما يجعلها ذات وجود مادي حي يستحق الدراسة والتحليل، إذ يمكن أن تقدم للقارئ/المشاهد الذي أحب تلك الشخصية وتفاعل معها أن يكتشف تلك الأسرار الفنية، التي تقف خلف كاريزما الحضور الفني لفنان عملاق بحجم عادل إمام.
ومن خلال متابعة مسلسله الأخير (صاحب السعادة) وهو المسلس الثالث الذي أطل به الزعيم على مشاهديه في الفترة الأخيرة، بعد أن ظل لمدة طويلة حكراً على السينما والمسرح، تظل هذه الشخصية في أداء الأدوار التي تنطلق من عمق وعي فني وثقافي بأبعاد فكرية تمثل الرسالة التي يؤديها الزعيم طوال مشواره الفني ويؤمن بها، بيد أن المتأمل في المسلسل الأخير لاسيما في الحدث العام أو السيناريو يجده لا يرتقي إلى مستوى المسلسلين السابقين (فرقة ناجي عطاالله، والعراف) بل إنه لا يرتقي إلى مستوى الزعيم في مختلف نتاجاته السابقة، إذ لا يمكن ملاحظة خط درامي أو عمق يمكن أن يرضى ذائقة المشاهد المرهق انتظاراً لإنتاج الزعيم. صحيح أن المسلسل ذو طابع كوميدي وليس مطلوب منه الإغراق في العمق الفكري، لكن ومع هذا يتبين أن المسلسل قد اعتمد على رصيد الزعيم فحسب، فلا يمكن للمشاهد أن يرى غيره، وحتى الدلالات التي حملها (بهجت) معادة من أفلام الزعيم ومسرحياته ومسلسلاته السابقة.
لقد اعتمد الكاتب يوسف معاطي، وهو كاتب المسلسلين السابقين على حضور شخصية الزعيم واكتفى بحجمها لسد النقص الفادح في زوايا المسلسل، وقد تكون هناك أسباب ما وراء هذا العوز في إيجاد فكرة متينة تستقيم على بناء فني يرتقي بذوق المشاهد وإحساسه، وإن كان في طور إمتاعه وإضحاكه، ومع هذا التركيز على الشخصية الرئيسة، فقد تبين وجود قصور في تشكيلها ورسم حركتها، فمع أن شخصية بهجت قد التزمت الخط العام للعمل بكونها شخصية بسيطة تحاول أن تعيش السعادة وتصنعها وتؤمن بها كفلسفة للحياة وتمتلك قدرة كبيرة على التأثير في الآخرين وجرهم إلى هذا الخط من التفكير الذي يؤمن بالحب والجمال والحياة الخالية من التعقيد، إلا أن هذه القدرة على تحويل الآخرين تفتقر لنوع من التسويغ القادر على إقناع المشاهد وإدخاله في هذه اللعبة الفنية، فبجلسة واحدة يستطيع بهجت أن يحول أي شخصية ويدخلها معه في خط السعادة الذي يؤمن به ويعيشه، حتى شخصية وزير الداخلية (فاروق) الرجل المتزمت الجاد الذي أفنى حياته لا يؤمن بالابتسامة، نراه من جلسة واحدة يتحول إلى كائن آخر يرى في الحب فلسفة خالدة ويؤمن بالجمال والفرح والسعادة، بعد أن كانت مثل هذه الكلمات محرمات لا يجوز له أن يستمع إليها. ربما يكون الحيز الفني الضاغط على الكاتب قد فرض عليه هذا الإجراء إذ يظل متمسكا بالفكرة العامة للنص دون التركيز على هذه التفاصيل مع أنها هي التي تمنح المسلسل خصوصيته وتميزه عن غيره، وهنا نقول شاهدنا مسلسل صاحب السعادة فلم نر إلا الزعيم الذي نعرفه.